هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟ | سياسة – البوكس نيوز

هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟ | سياسة – البوكس نيوز

البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟ | سياسة والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟ | سياسة، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

ثمَّة زوايا عديدة لتقييم نتائج الانتخابات المحلية التركية التي هُزم فيها حزب العدالة والتنمية للمرّة الأولى منذ تأسيسه، بحلوله ثانيًا خلفَ حزب الشعب الجمهوري المعارض. لكن قد تكون الأهم من بينها الدلالات السياسية للنتائج ومدى تعبيرها عن انفضاض الناخبين عن حزب العدالة والتنمية، أو استمرار ثقتهم به، وهو ما تباينت بشأنه التقييمات كما هو متوقع.

نتائج صادمة

شكلت نتائج الانتخابات المحلية صدمة غير متوقعة للعدالة والتنمية، ولعلها كانت مفاجِئة حتى لحزب الشعب الجمهوري نفسه. ذلك أنه بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/أيار الماضي، بنى العدالة والتنمية حملته في الانتخابات المحلية على استعادة البلديات التي كان خسرها لصالح المعارضة في 2019، وفي مقدمتها أنقرة وإسطنبول، وقد قاد أردوغان بنفسه الحملة الانتخابية وأَولى الأخيرة اهتمامًا خاصًا.

بيد أن الشعب الجمهوري لم يكتفِ فقط بالاحتفاظ ببلديتي أنقرة وإسطنبول، بل وسّع الفارق فيهما عن العدالة والتنمية بشكل ملاحظ، وحاز أغلبية المجلس البلدي في كلتيهما (عكس الانتخابات السابقة)، وضم إليهما عددًا كبيرًا من بلديات المدن الكبرى والمحافظات بما فيها مدنٌ كانت تعدُّ معاقل للحزب الحاكم، كما أنه حل أولًا في عموم تركيا للمرة الأولى منذ عقود، وطبعًا للمرة الأولى في عهد العدالة والتنمية.

بالأرقام، تراجعت البلديات التي يرأسها حزب العدالة والتنمية من 39 مدينة كبرى ومحافظة في 2019 إلى 24 فقط في 2024. ولأن أكثر المستفيدين من هذا التراجع كان خصمه التقليدي الشعب الجمهوري، الذي رفع رصيده من هذه البلديات من 21 عام 2019 إلى 35 عام 2024، فقد كانت الخسارة مزدوجة.

يمكن النظر لهذه الخسارة كمحطة إضافية في منحى التراجع لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وخصوصًا التشريعية منها، في العقد الأخير، وهو ما عزز فكرة التصويت الاحتجاجي أو العقابي لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالحزب وسياساته وبعضها الآخر بالعملية الانتخابية نفسها. البعض رأى أن النتيجة تعبر عن رغبة الشعب التركي في قيادة سياسية جديدة وأنها تحوُّلٌ في المشهد السياسي في البلاد، وفي مقدمتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال الذي وضع النتيجة في سياق رغبة الشعب في تغيير الحزب الحاكم ورئيسه، كما بدأ البعض بالتبشير برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو رئيسًا قادمًا لتركيا.

فهل فعلًا سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان وحزبه، ويريد فتح صفحة جديدة بقيادة مختلفة؟  

دلالات

في أول اجتماع لقيادة الحزب الحاكم تحدّث الرئيس التركي بشكل مباشر وواضح عن “رسائل الصندوق” لحزبه، موجهًا قياداته للبحث عن الأسباب وعلاجها وعدم إلقاء اللوم على الناخبين كما تفعل أحزاب أخرى، وأنه ينبغي “التصدي لأي خطأ، وإلا فقد لا نتمكن من تجنب كوارث أكبر في المستقبل”.

يحيل أردوغان هنا على فكرة التصويت الاحتجاجي أو العقابي الذي كان واضحًا في الانتخابات الأخيرة لأسباب فصّل في بعضها ودعا لدراسة بعضها الآخر بشكل أعمق. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن هذا النوع من التصويت لا يحدث لأول مرة، فقد حصل مرارًا في السابق كما مع حزب الوطن الأم في الانتخابات المحلية في 1989 مثلًا، ومع العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في يونيو/حزيران 2015 (قبل أن تعاد الانتخابات ويفوز بها)، وفي عدة استحقاقات لاحقة بدرجة أقل، ولذلك يكرر أردوغان بعد كل محطة انتحابية تعهده بالتجاوب مع “رسالة الناخبين”.

والمعنى من هذا التصويت أن شريحة من الناخبين التقليديين للحزب أرادوا إيصال رسالة احتجاج للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية تشمل ضمنًا مطالب بالتغيير والتحسين في عدة مجالات. ولا يعني ذلك أنهم انفضوا عن الحزب لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض، وفق عدة قرائن في مقدمتها أنهم قبل عشرة أشهر فقط أعادوا انتخاب أردوغان رئيسًا وجددوا أغلبية البرلمان لتحالف الجمهور الحاكم، وليس من المتوقع ولا الاعتيادي أن تتغير توجهات الناخبين بهذه الجذرية والحدّة خلال هذه المدة الزمنية الوجيزة.

تفسير الاختلاف بين النتيجتين خلال عشرة أشهر فقط هو الاختلاف بين الاستحقاقين. فالأول كان انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة يبنى عليها الكثير من حيث النظام السياسي، ومن يقود البلاد ويصوغ سياساتها لخمس سنوات مقبلة (على أقل تقدير) مما لا يحتمل معه – بالنسبة لكثير من أنصار العدالة والتنمية – “المغامرة” بانتخاب أو حتى إفادة المنافس.

بينما المحطة الثانية انتخابات محلية ترتبط بالبلديات، وارتداداتُها السياسية المباشرة قليلة جدًا مقارنة بالأولى وتحتمل هذا النوع من الهزات أو الرسائل الاحتجاجية التي قد تتسبب في استفادة آنية للخصم لكن يؤمّل أن تفيد الحزب على المدى البعيد.

في تفاصيل النتائج ما يدعم هذه الفرضية بل ويثبتها، فالجزء الأكبر من النتيجة يمكن عزوه لتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات (زهاء 6% عن الانتخابات المحلية السابقة و10% عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة)، وليس لانزياح كبير في اتجاهات التصويت، كما توضح النتائج التفصيلية أن معظم المقاطعين في هذه الانتخابات كانوا من أنصار العدالة والتنمية.

كما أن بعض من أبطلوا أصواتهم، الذين زاد عددهم بوضوح عن الانتخابات السابقة، دللوا على ذلك باعتراضات تخص الحكومة والحزب الحاكم. ويضاف لما سبق صعود حزب “الرفاه من جديد” بقيادة فاتح أربكان – الذي كان مفاجأة الانتخابات بحلوله ثالثًا – حيث يبدو أنه سحب من رصيد العدالة والتنمية أكثر من غيره بعدِّه “خيارًا آمنًا” أو بديلًا ممكنًا عن العدالة والتنمية بالنسبة للناخبين المحافظين على وجه التحديد.

ماذا بعد؟

وعليه، كان الأمر بمثابة رسالة حادة النبرة لأردوغان وحزبه لتصويب وتعديل بعض المسارات، ولذلك كان تفاعل أردوغان معها مختلفًا هذه المرة، إذ أتت تصريحاته سريعة وواضحة ومباشرة ومفصّلة ومكتوبة، بما في ذلك تحمل مسؤولية التراجع والوعد بالتجاوب.

في استحقاقات انتخابية سابقة، صدر عن أردوغان تصريحات مشابهة بخصوص التغيير، لكن الأمر بدا مقتصرًا في معظمه على تغيير بعض الوجوه في الحزب وتحديدًا في الهياكل التنظيمية في المدن والمحافظات بناءً على تقييم مفاده أن السبب الرئيس في تراجع حضور الحزب هو كسل التنظيم و/أو تقاعسه و/أو عدم قدرته على كسب الناس، أو كما قال الرئيس التركي مؤخرًا: “بناء جدران بينه وبين الشعب”.

من الواضح أنّ تغييرًا من هذا النوع لن يكون كافيًا هذه المرّة، ولا نظنّ أنه كان كافيًا سابقًا، إذ إن الرسالة هذه المرة قاسية جدًا، وتدقّ ناقوس الخطر بخصوص المستقبل. وقد عبّر أردوغان عن هذا المعنى، حين قال: “إما أن نرى أخطاءنا ونصوّب أمورنا، وإما سنستمر في الذوبان مثل الثلج تحت الشّمس”.

ثمة ما هو متوقع قريبًا مثل تغييرات في هيكلة الحزب ودوائره القيادية، كما يمكن توقع تعديل وزاري محدود وإن كان من غير المرجح أن يكون قريبًا جدًا، لكن كل ذلك سيبقى في إطار التغييرات الشكلية البعيدة عن حجم رسالة الاحتجاج هذه المرة. المطلوب اليوم هو التطرق للتحفظات الأساسية لمناصري الحزب والمتعلقة بالفكر والخطاب والممارسة السياسية بما في ذلك طريقة الحكم ومنظومة التحالفات والترهل وضعف الأداء، وهي الأسباب الرئيسة التي جعلت ثمة “جدرانًا” بين الحزب وأنصاره.

السؤال الأهم هنا: هل يستطيع أردوغان إقناع الشارع التركي بجدية التغيير وعمقه وجدواه؟ الأمر ليس بالسهولة المتوقعة حتى مع رئيس قوي مثل أردوغان، فالكثير من السلبيات المشار لها موجودة منذ سنوات طويلة جدًا، وتجذرت إلى حد ما مع تحول الحزب إلى حزب حاكم مهيمن على الحياة السياسية في البلاد. لكنه ضروري كما هو واضح إن أراد الحزب أن يبقى رقمًا صعبًا، كما كان دائمًا وحتى الآن، في المشهد السياسي التركي ولا يلقى مصير سابقيه من الأحزاب الحاكمة، على ما حذّر أردوغان نفسه.

أربع سنوات، حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، تبدو مدة زمنية كافية لإحداث التغيير ورؤية آثاره على الناس في حال صدقت النوايا، إذ إن المرغوب والمجدي يتطلب إرادة وجهدًا ووقتًا وإصرارًا. من المنتظر أن يكون أردوغان قد قرأ رسالة الناخبين بشكل دقيق، وأن يملك الإرادة لتغيير حقيقي وعميق هذه المرة، ولكن المهمة ليست سهلة ولا مضمونة النتائج بعد كل هذه السنوات، وسيبقى الحكم في النهاية للشعب وتحديدًا أنصار الحزب الذين ما زالوا يملكون الثقة بالرئيس التركي ليقوم بالتغيير المنشود. فهل يفعلها؟ وهل ينجح؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة البوكس نيوز.

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة