مستقبل الثقافة العربية والإسلامية بين الأمس واليوم | سياسة – البوكس نيوز

مستقبل الثقافة العربية والإسلامية بين الأمس واليوم | سياسة – البوكس نيوز

البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول مستقبل الثقافة العربية والإسلامية بين الأمس واليوم | سياسة والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول مستقبل الثقافة العربية والإسلامية بين الأمس واليوم | سياسة، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

لا جدال في أنّ كتاب “مستقبل الثقافة في مصر”، لعميد الأدب العربي طه حسين، من الكتب القيّمة التي يُحْسب لها أنها حَرّكت ساكنًا ورسمت طريقًا وخَلّفت أثرًا. فبغض النظر عما جاء في الكتاب من أفكار ودعاوى قد لا يسار إلى قبولها والتسليم بها بسهولة، فإنه لا يسع القارئ اللبيب إلا أن يقف وقفة احترام أمام الكاتب، وأن يُسجِّل إعجابه بحسن اختياره للإشكالية التي عمل على صياغتها وبموافقة السؤال الذي طرحه لمقتضيات اللحظة التاريخية.

فمعلوم أن طه حسين، بحديثه عن مستقبل الثقافة في مصر، كان يروم تقديم الإجابة عن جملة الأسئلة التي طرحت في سياق توقيع مصر “معاهدة الشرف والاستقلال” مع بريطانيا سنة 1936. لقد كانت اللحظة لحظة مفصليّة، والمرحلة مرحلة انتقالية، تستدعي أسئلة استشرافية تتلمس سبل المستقبل. وإذا كان التفكير في المستقبل مهمًا، فإن التفكير في مستقبل الثقافة أهمّ؛ ذلك أننا لم نألف التفكير في الثقافة إلا من منظور ما هو قائم، لا من منظور ما سيأتي.

مرجعيتان ثقافيتان

فالثقافة، في اللاشعور الجمعي، هو أمر حاصل وواقع موروث، نحن أقرب إلى التفكير فيه من منطلق ما هو كائن، لا من منطلق ما سيكون؛ وبهذا الاعتبار يمكن أن ندخل الثقافة في عداد التراث الذي يُخيّل إلينا أنه شيء يُوَرَّث؛ والحقيقة هي أن الثقافة، مثلها مثل التراث، لا تُوَرَّث، بل تُجْهِد من يريد الانتساب إليها أو امتلاكها، فضلًا عمن يريد إعادة تشكيلها أو صناعتها.

يظل السؤال الذي طرحه طه حسين في منتصف القرن الماضي قائمًا، لم يَظْفَر السائل بجواب عنه. بل إنه زاد إلحاحًا وتعقيدًا، ذلك أنه أصبح جزءًا من سؤال أعم، سؤال متعلق لا بمستقبل الثقافة المصرية، أو الثقافة العربية والإسلامية فحسب، بل بمستقبل الثقافة، مطلق الثقافة.

لقد كان السائل عن مستقبل الثقافة في سياق مجتمعات ما بعد الاستعمار العربية والإسلامية يصدر عن إحدى مرجعيتين: مرجعية تنشد ربط الثقافة العربية الإسلامية التقليدية بالثقافة الغربية أُفُقًا للتغيير والتجديد؛ ومرجعية ثانية تحذر من الغزو الفكري والذوبان في ثقافة الآخر. وفي كلتا الحالتين كان الحديث عن الثقافة ينطلق من منطلق الإقرار بوجود جوهر خاص بكل ثقافة يجعلها قابلة أو غير قابلة للتداخل مع ثقافات أخرى. هذا ما يتّضح لنا جليًا من خلال إصرار طه حسين على ردّ الثقافة المصرية إلى جوهر يقربها من الثقافة الغربية، ويبعدها عن الثقافة الشرقية مثلًا.

عند التأمل يتضح لنا أننا اليوم نخرج من سياق ما بعد الاستعمار باتجاه سياق جديد، يدفعنا لاستشكال قضية الثقافة من منطلقات أخرى. صحيح أن كثيرًا من المفكرين في عالمنا العربي والإسلامي لا يزالون يشتغلون بالسؤال الذي طرحه طه حسين أو نظراؤه من أصحاب مشاريع النهوض الثقافي والحضاري في الماضي، غير أن السياق الجديد أصبح يفرض أسئلة أخرى، منها ما هو مصاغ صياغة واضحة، ومنها ما هو قيد التشكل.

حين نقرأ كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” نلمس وجود نزعة شمولية تستحثّ المفكر على الإتيان بأجوبة جامعة مانعة، أجوبة تفسر أسباب السقوط والتخلف عندنا، وأسباب النهوض والتقدم عند الآخرين، وذلك بغرض تعيين سبل انبعاث وتجدّد العالم العربي والإسلامي. لا جدال في أن هذه الشمولية في الطرح الفكري كانت من جنس الشمولية السياسية المهيمنة التي ظلت على امتداد الأزمنة تنشد عالمًا ذا بعد واحد، وتقصي ما سواه من العوالم الممكنة.

ثنائيات حاكمة

حين نتأمل في مدلولات الثقافة اليوم وفي واقعها ندرك أن التفكير في مستقبل الثقافة في العالم العربي والإسلامي لن يكون مجديًا متى ما ظلّ موصول الصلة بالثنائيات التي حكمت العقل في سياق ما بعد الاستعمار، ومتى ما ظل مرتبطًا بشمولية فكرية تروم الوصول إلى جواهر الأشياء.

فالثقافات ليست كيانات مكتفية بذاتها، مستغلقة على العالم الخارجي، أو كيانات لا تنزاح مع مرور الوقت عن جوهر ثابت قارّ. بل إن الثقافة كائن متحرك لا يوجد إلا في علاقة مع الثقافات الأخرى، سواء أكانت علاقة صراع وتنافر، أم علاقة تصالح وتداخل.

يجابهنا الغرب اليوم بكتابات تشي بقلق واضح بخصوص واقع الثقافة الغربية ومستقبلها. هذا ما يلمسه المتتبع لكتابات “أوليفيي روا” (Olivier Roy) الذي يتساءل في أحد كتبه “هل أوروبا مسيحية؟” (L’Europe est-elle chrétienne)، وهو مسبوق بكتاب آخر لا يقل أهمية: “الجهل المقدس: زمن الدين بلا ثقافة” (La Sainte ignorance: le temps de la religion sans culture).

يحصل لقارئ هذين الكتابين انطباع بأن الغرب، بالرغم من تفوقه الحضاري وهيمنته السياسية على العالم، لم يحسم بعد قضية هويته الثقافية، كما أنه ليس أقل توجسًا من العالم العربي والإسلامي حين يتعلّق الأمر بمستقبل هذه الهوية.

بل يمكن القول؛ إن الخوف من الغزو الثقافي من الخارج صار اليوم خصيصة أوروبية. حيث نلاحظ نزوعًا قويًا نحو اعتماد قوانين لمحاصرة “الإسلام” الذي أصبح، بتمظهراته الثقافية في الفضاء الأوروبي، يمثل تهديدًا ليس بالنسبة للثقافة المسيحية فحسب، بل للثقافة العلمانية كذلك، كما يردد الكثيرون.

عند التأمل، نجد أن التحدي الذي يواجه الثقافة اليوم، سواء أكانت عربية إسلامية أم غربية مسيحية، ليس تحديًا مصدره ثقافة الآخرين؛ بل هو تحدٍّ من جنس آخر، مصدره تسيب معنى الثقافة في المقام الأول. يليه تحدي التكنولوجيا التي صارت منظومة ثقافية قائمة بذاتها. أما بخصوص تسيب معنى الثقافة، فلقد صار مألوفًا أن يحمل المتحدث على لفظة “ثقافة” معاني لا حصر لها، تتعدد بتعدد سياقات استعمالها، كأن يتحدث عن “ثقافة الاستهلاك”، أو “ثقافة المخدرات”، أو “ثقافة سباق السيارات”، أو “ثقافة هذه الموضة أو تلك”، ولك أن تتخيل كل ما يندرج تحت مسمى الثقافة من أفعال وأحوال لا حصر لها.

سطوة التكنولوجيا

لم يعد معنى الثقافة ينسحب على تلك الصورة المركزية التي تتمحور حولها نظرة المجتمع للكون وللذات، والتي تساهم في توليد المعاني الكبرى وفرض الإيقاع العام الذي تنضبط به أفعال الفرد والجماعة. فالثقافة، بمعانيها الكبرى، تعكس علاقة قائمة مع الزمان والمكان، وهي العلاقة التي تملي أشكالًا جميلة مستحسنة في التعبير والتواصل والإبداع، هذه الأشكال التي صارت اليوم وكأنها في الطريق إلى الانقراض، تتوارى وراء مظاهر التفاهة المستحكمة.

فضلًا عن تسيّب المعنى، تواجه الثقافة اليوم تحديًا كبيرًا يتمثل في سطوة المنظومة التكنولوجية وتحكمها في أشكال الإبداع الثقافي. صحيح أن الوسائل التكنولوجية أصبحت تُمكِّن للفرد المبدع وتُوسّع له في فضاء الإبداع، حتى صار الكثيرون يتحدثون عن “دمقرطة” الثقافة، أي تساوي الجميع في الحق في الإبداع الثقافي. غير أنه لا يقل صحة كذلك أن هذه الوسائل، من حيث كونها تساهم في توسيع ساحة الإبداع الثقافي، هي في الوقت نفسه تساهم في تجريد هذا الإبداع من حسّ الانتماء إلى الزمان والمكان المشتركين.

يمكننا القول؛ إن الإبداع والتلقي الثقافيَين صارا شأنًا فرديًا في الزمن التكنولوجي، حيث صارت الأداة التكنولوجية هي التي تحدد للإنسان وجهة الإبداع وتؤطر ذوقه بعيدًا عن الحس الجمعي المشترك. وبهذا يمكن القول؛ إننا ندخل زمن “شخصنة الثقافة”. لم يعد الفرد، مهما كان شاذًا في ميولاته، يتقيد بالشروط التي تمليها الثقافة، بل يكفيه أن يلج إلى العالم الافتراضي ليخلق بيئته الثقافية الخاصة به، بعيدًا عن رقابة الفضاء العام المرتبط بفضاء جغرافي صلب وبماضٍ مشترك.

لعلّ القول بشخصنة الثقافة هو ذاته القول بنهاية الثقافة، مثله مثل القول بنهاية العلم ونهاية الديمقراطية ونهاية السياسة وغيره من الأقوال التي تندرج في الحديث عن النهايات. وعليه فإن التفكير في مستقبل الثقافة في العالم العربي والإسلامي صار يقتضي الوعي بطبيعة المرحلة التاريخية وما تشهده من تآكل للمنظومات الثقافية الموروثة.

تحديات متعددة

لم يعد بالإمكان التفكير في الثقافة من منطلق الإحياء والانبعاث، أو من منطلق ثنائية الذات والغير؛ بل صار لزامًا على المعني بمستقبل الثقافة الانطلاق من مسلّمة مفادها أن الثورة التكنولوجية اليوم تبلغ المنتهى في تسطيح العالم وفتح الثقافات على بعضها البعض، وأنها بذلك إنما تنتج أنماطًا غير مسبوقة في توليد المعرفة والقوة والمهارات. لم يعد الإنسان يمتح قوّته من منابع ثقافته الأصلية فحسب، بل صار يبحث عن مصادر هذه القوة أينما أملت عليه الوسيلة التكنولوجية أن يبحث.

ليس معنى هذا الكلام أن غد الكائن الثقافي، في ظل هيمنة المنظومة التكنولوجية، هو بالضرورة أفضل من أمسه. لكن غد هذا الكائن يتوقف، بكل تأكيد، على مدى وعيه بطبيعة الثورة التكنولوجية وتأثيراتها على الثقافة. وعليه فقد صار لزامًا على كل من يريد التفكير في مستقبل الثقافة، في عالمنا العربي والإسلامي خصوصًا، الانطلاق من الوعي بأن مرحلة ما بعد الثورة التكنولوجية ليست كمرحلة ما قبلها؛ تمامًا كما أن مرحلة ما بعد الثورة الصناعية لم تكن كمرحلة ما قبلها.

لا جدالَ في أن التفكير في مستقبل الثقافة وفي تدبير الشأن الثقافي في العالم العربي والإسلامي أصبح أمرًا صعبًا في زمن تغوُّل المنظومة التكنولوجية. ولا جدال كذلك في أن كتابًا مثل “مستقبل الثقافة في مصر”، على أهميته، لم يعد قادرًا على فتح أفق جديد للتفكير في سبل بلورة سياسات فكرية تروم توظيف التماسك الثقافي من أجل إنتاج المعرفة والقوّة لمجابهة تحديات الواقع كما أصبح يصنعه ويحدده الذكاء التكنولوجي المهيمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة البوكس نيوز.

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة