عفِنٌ في مملكة “المنتظم الدولي” كشفه الفيتو الأميركي | آراء – البوكس نيوز

عفِنٌ في مملكة “المنتظم الدولي” كشفه الفيتو الأميركي | آراء – البوكس نيوز

البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول عفِنٌ في مملكة “المنتظم الدولي” كشفه الفيتو الأميركي | آراء والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول عفِنٌ في مملكة “المنتظم الدولي” كشفه الفيتو الأميركي | آراء، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

هي مذبحة جديدة، تقع بموازاة المذابح التي تَجري في غزّة، وضحيتُها هذه المرّة الأمم المتحدة. القذيفة التي أصابتها هي الفيتو الأميركي الذي أقبر مشروع الإيقاف الفوري للحرب الذي تقدّمت به الجزائر العضو غير الدائم في مجلس الأمن.

الغاية التي من أجلها قامت الأمم المتحدة، وهي تحقيق السلم واستتباب الأمن، تترنّح بعد اليوم، إذ تحولت غاية الأمم المتحدة إلى نقيضها، وأصبح وقف إطلاق النار جُرمًا، واستمرار العدوان على الأبرياء والعُزّل ومواصلة الدمار “فضيلة” من قِبل أعلى هيئة للأمم المتحدة وهي مجلس الأمن.

يُفهم استعمال الفيتو لقرار يُسوِّغ استعمال القوّة، لكن أن يُستعمل الفيتو ضد قرار يدعو لوقف الحرب، هو السريالية بعينها. نحن حقًا في عالم أورويلي بامتياز، حيث يفيد الشيء نقيضَه، وحيث يقوم انفصام ما بين القول والفعل؛ الزعم بوقف الحرب، في الخطاب، وتغذية نارها فعليًا. أما النظام العالمي الجديد الذي بشّرت به الولايات المتحدة ويقوم على احترام القانون الدولي، فهو في حقيقة الأمر شِرْعة القوي، وعالمٌ خالٍ من خطر الدمار الشامل، يستند إلى أكذوبة قوّضت بُنى دولة، وهلهلت نسيج شعب، وأشعلت فتيل الإرهاب، أما محور الشر والدول المارقة، فليست ما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما ما وصمته الولايات المتحدة بذلك.

العدو الأكبر للعالم العربي، هو وضع الفُرقة التي هو فيها، وهو أهم سلاح يستعمله خصومه ضده، ولن يكون لهذا العالم الفسيح مكانٌ تحت الشمس إذا استمر “النظام” العربي على ما هو عليه

أولى الضحايا في الحروب هي الحقيقة، كما يقول كلوسفيتيز، ولكن الحقيقة كما لو كانت جسم قتيل، يعلن عن مكنونه من خلال الرائحة التي تفوح منه. تنبعث في شبح القتيل غيلة، كما في مسرحية هاملت تُحدّث عما يريد المتآمران التستر عنه.

وأولى الحقائق التي فضحها الفيتو الأميركي على مُقترح الوقف الفوري للحرب على غزّة، هي أن الولايات المتحدة طرف في التقتيل الذي يجري في غزة، وأن كل تمارين الخطابة عن شجب الغلو في التقتيل، واستياء الإدارة الأميركية من شطط إسرائيل، كلها ذرّ الرماد في العيون، ذلك أن التقتيل يتم بسلاح أميركي، وبمَدَد مخابراتي منها، وتغطية دبلوماسية، بل وتعاون ميداني.

أمّا حلّ الدولتين، وحقُّ الفلسطينيين العيشُ في كرامة، فهي تقديم خدمة الشفتين لشعوب تؤمن بالخطابة، من منظور الولايات المتحدة، وبشكل الخطاب، دون مضمونه، ولها قدرة فائقة على النسيان، وردود أفعال شعوبها فقاقيع عابرة تنتفش مع الزمن، أو نار الهشيم، ما تشُبُّ حتى تنطفئ… وفي جميع الأحوال، يمكن تعطيل عناصر العالم العربي، من خلال توظيف تناقضاتها الداخلية أو البينية.

وثانية الحقائق هي أن الأمم المتحدة محفل للخطابة، فقط. لا تمثل ضميرًا، ولا هي أداة قانونية زجرية، وليس لها قوة ردعية رغم النوايا الحسنة لمسؤوليها، والعمل الجبار الذي تضطلع به بعض مؤسساتها. لكن الغاية ليست هي مجرد تضميد جراح ومواساة مكلوم، بل منع أن يُجرح الجريح، أولًا، وإمكانية معاقبة المعتدي ثانيًا، وفي هذين الأمرين، الأمم المتحدة عاجزة، لا تستطيع إيقاف عدوان، ولا معاقبة معتدٍ.

هاتان الحقيقتان تقوداننا إلى نتيجتين: الأولى أن القاطرة الأميركية التي قادت العالم منذ سقوط حائط برلين باسم الأحادية القطبية، كانت جائرة، والنور الذي خبا، حسب بيت لروديار كيبليتغ، ويحمله بعض التبشيريين في ركاب أميركا، هو في حقيقته نار تلظّت به شعوب عدة، أو كما يقول إيمانويل طود، كانت الولايات المتحدة الحل لمشاكل العالم، بعد الحربين العالميتين: الأولى والثانية، وأضحت مصدر المشاكل بعد سقوط حائط برلين.

أما النتيجة الثانية، فهي ضرورة تشريح حالة الأمم “المتحدة” التي هي أبعد ما تكون عن كونها “متحدة”. هي مجرد منظومة تُكرس توافق القوى المنتصرة بمقتضى لقاء يالطا، عقب الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أغلب دول العالم تحت الحجر، في أفريقيا وفي آسيا، وكان الفيتو إثابة لدول حفظت النظام الدولي من الانزلاق الذي كانت تمثله دول المحور، ولكنه لم يكن مجرد حق، بل مسؤولية قانونية وأخلاقية لا يمكن استعماله إلا في الحالات القصوى التي يتم فيها تهديد الأمن والسلم العالميين.

هل يمكن الخضوع لمنظومة ظهرت في سياق معين، والأخذ بقواعد تكرس واقعًا ولّى؟ نظريًا، ممكن، ما دامت المنظومة تحقق الأهداف التي قامت من أجلها، أما إذا فشلت وأضحى فشلها بنيويًا، فيتوجب إعادة النظر فيها. والحال أن الأمم لم تعد أداة لتحقيق السلم والأمن، وحق الفيتو لم يعد مسؤولية أخلاقية بل أداة حرب، ولم تتورّع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن في الاعتداء على دول من دون مظلّة الأمم المتحدة.

العالم أرحب من خمسة أعضاء، كما يقول الخطاب الرسمي التركي، والحاجة ماسّة إلى إعادة هيكلة للأمم المتحدة وليس مجرد ترميمها، أو إرساء نظام عالمي جديد، بمؤسّسات جديدة.

ينبغي حفظ تاريخ استعمال حق الفيتو من قِبل الولايات المتحدة، في الذاكرة، في نازلة غزة، كما تواريخ حاسمة في مسار عصبة الأمم، حين ضمت اليابان منشوريا (1931)، وحين غزت إيطاليا الحبشة (1935)، مما عجل بانهيار عالم ما بين الحربين.

ولسوف يجد المؤرخون الأميركيون في الزمن المقبل الجواب على فشل خطابهم التبشيري عن البيت فوق التلة الذي ينبعث منه النور، ولماذا انطفأ النور، من خلال الفيتو الأميركي على وقف الحرب في نازلة غزة. لن يحتاجوا لإلقاء اللوم على الآخر، الذي يغبطهم على حريتهم وتعدديتهم وديمقراطيتيهم، كما في زعم الخطاب الأميركي الرسمي.

أما النتيجة الثالثة، فهي أن العدو الأكبر للعالم العربي، هو وضع الفُرقة التي هو فيها، وهو أهم سلاح يستعمله خصومه ضده، ولن يكون لهذا العالم الفسيح مكانٌ تحت الشمس إذا استمر “النظام” العربي على ما هو عليه.

نعم، هناك شيء عفِنٌ في مملكة (المنتظم الدولي)، كشفه الفيتو الأميركي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة البوكس نيوز.

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة