الحرب على غزّة بين المقاومة والإرهاب | آراء – البوكس نيوز

الحرب على غزّة بين المقاومة والإرهاب | آراء – البوكس نيوز

البوكس نيوز – اخبار – نتحدث اليوم حول الحرب على غزّة بين المقاومة والإرهاب | آراء والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول الحرب على غزّة بين المقاومة والإرهاب | آراء، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

بعدَ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 باتَ موضوع “الإرهاب” جزءًا من النّقاشات الفلسفية التي تعالج سؤالَين أساسيَين ومترابطَين: الأول مفهومي يتناول دلالات الإرهاب ومكوِّناته، والثاني أخلاقيّ يهتمّ بتقويم الفعل الموصوف بأنّه إرهابي، وما إذا كان يمكن تسويغه أخلاقيًّا وَفق نظرية من نظريات الأخلاق الكبرى (كالعواقبية أو النفعية)، خاصة في بعض الظروف الاستثنائية حيث يكون فيها الاستخدام المحدود للإرهاب هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق مصلحة عامّة أكبر، كإقامة مجتمع تُصان فيه حقوق الجميع.

وتتنوّع أشكال الإرهاب، ولكن أبرزها “إرهاب الدولة” (state terrorism)، الذي يجب أن يتم التركيز عليه حاليًّا. وقد انشغل بعضُ الفلاسفة بإرهاب “الدولة الشمولية”؛ نظرًا لأنّه الأكثر عنفًا والأشدُّ خطرًا، فالإرهاب “هو جوهر الهيمنة الشموليّة”، كما تقول حنة أرندت. والمثال الأبرز لإرهاب الدولة الشمولية ما شهدناه خلال العَقْد الماضي في سوريا – مثلًا – بعد الثورة الشعبيّة التي بدأت عام 2011. فقد قصف نظام الأسد المدنَ الثائرة ضده بشكل عشوائي ومدمّر، ما خلّف مئات آلاف الشهداء، وتهجير ملايين السوريين، فهذا الإرهاب مارسته الدولةُ ضد شعبها.

لكن إرهاب الدولة ليس حكرًا على الأنظمة الشمولية؛ فقد مارسته دول ديمقراطية ضد شعوب أخرى، كما حصل عندما قصفت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني والقوات الجوية الأمريكية المدن الألمانية واليابانية في الحرب العالمية الثانية. فعليًّا ذَوَى تصنيف دولةٍ ما بأنَّها إرهابيّة؛ ليُطلق وصف الإرهاب على جماعات ما دون الدولة فقط كالتنظيمات المسلّحة. وتصنيف هذه الجماعات يخضع للمصالح والضغوط السياسية؛ فتارة تصنف جماعة بأنها إرهابية، وتارة يُحذف اسمها من قائمة الإرهاب، كما حصل مع جماعة الحوثيين مثلًا. وقد جرى استبدال تعبيرات أخرى بإرهاب الدولة، مثل “دولة داعمة للإرهاب”، أو أنَّ لهذه الدولة “انتهاكات لحقوق الإنسان”، أو أن لديها “سياسات عدائية”.

ولكن ذلك لا يعني أنَّ إرهاب الدولة قد اختفى؛ فمثاله الأبرز – حاليًّا – هو ما تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة الذي حوّلته منذ 2006 إلى “معسكر اعتقال” لأكثر من مليونَي شخص. و”معسكر الاعتقال” هو “المؤسسة المركزية الحقيقية للسلطة التنظيمية الشمولية”، كما تقول حنة أرندت، ولكن إسرائيل تقدم هنا – كما قدمت من قبلُ في عشرات الأمثلة – نموذجًا من شأنه أن يُربك مثل تلك التحليلات التي تفترض أن الديمقراطية – وحدها – كافية لتقليص مساحة إرهاب الدولة. فإرهاب إسرائيل الديمقراطية تمارسه ضد شعب محتل في دولة تقوم على التمييز العنصري الذي يقدم أساسًا نظريًّا لاستباحة المدنيين استباحة كاملة؛ لأنه ينزع عنهم صفة الإنسانية أو يراهم أدنى عِرقيًّا أو دينيًّا، وهو ما شهدنا نظائره في النازية الألمانية.

ليس ثمة اتفاق على تعريف “الإرهاب” قانونيًّا أو حتى سياسيًّا، وسبق لي أن تحدثت عن “استراتيجية الغموض” فيما يخص الإرهاب وأنها مقصودة؛ ليتم تطويع تهمة الإرهاب وَفق مصالح القوى الكبرى التي تمنح الشرعية لأي فعل يلائِمها وتنزعها عن أي فعل يعارضها، ولذلك فإن “الإرهاب” مصطلح سياسي بامتياز ولا يتم الاحتكام فيه إلى أي معايير قانونية دولية أو أخلاقية. ولكن من المهم أن نوضح أن ثمة عنصرَين رئيسَين في مفهوم الإرهاب: الأول: استخدام منتظم للعنف ضد المدنيين المصنفين على أنهم “أعداء” وسيلةً من وسائل الحرب. والثاني: استخدام العنف أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية أو دينية.

يوضح استخدام تهمة “الإرهاب” كيف يتقدم السياسي ويتراجع الأخلاقي والقانوني، ويفضح الازدواجية الأخلاقية لدول الغرب، وكأن مشكلتنا مع داعش التي يتم تشبيه حماس بها -وَفق الأجندة الإسرائيلية- ليس عنفها الفائق، وإنما  أدواتها البدائية في القتل

وإذا ما تأملنا سلوك دولة إسرائيل وجدنا أنها يتحقق فيها العنصران معًا، وخاصة ما يجري حاليًّا في قطاع غزة؛ فالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يتوفر فيها ثلاثة أمور رئيسة تؤكد صفة إرهاب الدولة، وهي:

  • الأول: قتل المدنيين، وخاصة من الأطفال والنساء، ورفض التمييز بين المدني والعسكري داخل قطاع غزة، وهو ما صرّح به أكثر من مسؤول إسرائيلي حاليّ أو سابق، كما أوضحتُ في مقال الأسبوع الماضي.
  • الثاني: استهداف المباني السكنية والمنشآت المدنية بما فيها المستشفيات التي يتم إنذارها بضرورة الإخلاء والإخبار بأنه سيتم قصفها، وهو ما حصل بالفعل في قصف مستشفى المعمداني الذي خلّفَ نحو 500 شهيد من الأطفال والنساء والرجال، على سبيل المثال لا الحصر.
  • الثالث: ممارسة العقاب الجماعي وقطع كل الوسائل الضرورية للحياة، سواء لحفظها (كالماء والطعام)، أم لصيانتها (كالمستشفيات والأدوية والكهرباء وغيرها).

فنحن، إذن، أمام خطاب نظري وممارسة عملية يتحقق فيها مكوّنات إرهاب الدولة الذي يُستَخدم وسيلة من وسائل الحرب من جهة، ولتحقيق هدف سياسي هو القضاء على حركات المقاومة ضد الاحتلال من جهة أخرى. رغم أن إسرائيل بوصفها دولة احتلال وَفق القانون الدولي ملزمة – بموجب اتفاقيات جنيف – بضمان حصول المدنيين على السلع الأساسية، وباعتبارها طرفًا في الحرب يجب عليها تسهيلُ إيصال المساعدات الإنسانية، وعدم تعمّد إعاقة إمدادات الإغاثة، فضلًا عن أن القانون الدولي يعتبر العقاب الجماعي المفروض على غزّة منذ 16 سنة جريمة حرب. ولكن الخطاب الإسرائيلي (السياسي والإعلامي) حاول تسويغ إرهابه من خلال مقولتَين رئيستَين:

  • الأولى: الزعم بأنه لا يستهدف المدنيين، ولكن الوقائع الحيَّة على الأرض وحصيلة الضحايا تكذّب ذلك، فعددُ الضحايا جراء القصف الإسرائيلي تجاوز الـ 7 آلاف شهيد، والـ 12 ألف جريح، معظمهم من الأطفال والنساء، كما أن القصف المتعمد والممنهج للمنشآت المدنية والمستشفيات دليلٌ واضح على تعمّد استهداف المدنيين، فضلًا عن قطع كل الإمدادات عنهم.
  • الثانية: ادعاء أن حركة حماس تجعل نحو مليونَين من البشر ساترًا بشريًّا، للتنصل من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن قتل المدنيين وتحميل المسؤولية لحماس، رغم أننا حتى لو افترضنا صحة الادعاء الإسرائيلي وأن التستر بمليونَين من البشر ممكن لجماعة قليلة العدد، فإن ذلك لا يبرر قتل كل ذلك العدد لتحقيق هدف سياسي أو عسكري؛ لأن ذلك ينطبق عليه وصف الإرهاب.

ومما يدلّ على تهافت هذه التسويغات الإعلاميَّة، وجود خطاب موازٍ لذلك يحاول نزع صفة الإنسانية عن عموم الفلسطينيين؛ فقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقاتلي حماس ومن ورائهم سكان غزة بأنهم “حيوانات بشرية”، وقال موردخاي كيدار (الباحث في جامعة بار إيلان): إن وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية” فيه “تحقير من شأن الحيوانات”، وقال المعمر عزرا ياشين: “إن أعداءنا ليس لهم الحق في أن يعيشوا”.

هذا بالإضافة إلى التصريحات السابقة عن رفض التمييز بين المدني والعسكري التي صدرت عن رئيس إسرائيل وغيره. يقدم هذا الخطاب الموازي أساسًا نظريًّا لاستباحة دماء الفلسطينيين جميعًا وقتلهم، ويدعمه غطاء سياسي دوليّ يقدم الدعم المطلق لإسرائيل بلا قيد أو شرط، سواء من خلال رحلات الحج التي قام بها زعماء أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى إسرائيل لإعلان التأييد والتضامن معها في حربها على غزة، أم من خلال تمزيق جلعاد إردان سفير إسرائيل في الأمم المتحدة تقريرًا أمميًّا ينتقد انتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين؛ ليؤكد أنَّ إسرائيل فوق أي قانون أو موازين أخلاقية وأنها لا تخضع للمساءلة.

تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية – في حربها على غزة- على أمرَين رئيسَين:

  • الأول: اتهام حماس وحركات المقاومة بالإرهاب؛ وذلك للتحلل من أي التزامات سياسية تجاه الفلسطينيين، ولاسيما في ظل حكومة يمينية متطرفة ترفض أي وجود عربي أو حلّ مع الفلسطينيين، ولتشويه صورة المقاومة أخلاقيًّا لدى الرأي العام الغربي. فالإرهاب هنا هو تهمةٌ سياسية لا حُكمٌ قانوني، ويتم تفصيله على مقاس جماعة بعينها من دون أن يتناول معايير محددة تختصّ بالأفعال بحيث يكون ذات الفعل إرهابيًّا بغض النظر عمن قام به.
  • الثاني: تسويغ الإرهاب الإسرائيلي وتسميته بغير اسمه؛ لأنّ وصف “الإرهاب” تحقيري وبات يُستخدم – غالبًا – لسحب الشرعية السياسية والأخلاقية والقانونية عن أي فعل معارض للمصالح الغربية أو للاحتلال أو للأنظمة الشمولية. ففي الحرب الإسرائيلية على غزة، سُمي الإرهاب الإسرائيلي ثلاثَ تسميات مختلفة: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وإسرائيل لا تستهدف المدنيين، والقضاء على حماس بحيث تم اختزال المشهد كله بحماس التي هي حركة إرهابية في وصفهم، ومن ثَمَّ فإن الحرب عليها مسوّغة مهما كانت كلفتها البشرية، بل جرى تسويغ العقاب الجماعي لمليونَين من البشر؛ بحجة منع حماس من الاستفادة من المساعدات الإنسانية. والنتيجة هي تسويغ قتل المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء، والعقاب الجماعي لأكثر من مليونَي إنسان وحرمانهم من ضروريات الحياة ليموتوا قصفًا أو جوعًا أو مرضًا أو بجراحهم التي أصابتهم جراء القصف الإسرائيلي.

يوضح استخدام تهمة “الإرهاب” كيف يتقدم السياسي ويتراجع الأخلاقي والقانوني، ويفضح الازدواجية الأخلاقية لدول الغرب، وكأن مشكلتنا مع داعش التي يتم تشبيه حماس بها -وَفق الأجندة الإسرائيلية- ليس عنفها الفائق، وإنما  أدواتها البدائية في القتل، بينما هذا العنف الإسرائيلي الفائق الذي يستخدم التقنيات الأمريكية الحديثة في القصف والقتل والحصار هو عنف مشروع يسمى “دفاعًا عن النفس”؛ لأنه يزعم القضاء على الإرهاب البربري والهمجي؛ لمجرد أنه عنف صادر عن “دولة ديمقراطية”، ويستخدم أحدث التقنيات. وفي سبيل ذلك يتم التغاضي عن أن هذا الإرهاب الصادر عن دولة مسلحة بأحدث التقنيات هو أخطر أنواع العنف ومن شأنه أن ينتج عنفًا مقابلًا؛ لأن نزع الصفة “الإنسانية” عن الفلسطينيين معناه إجبارهم على العودة إلى الحالة “البدائية” المفترضة للإنسان والتي يتمحور فيها حول صيانة وجوده الفيزيائي والانتقام من عدوّه بأي وسيلة كانت؛ ما دامت القوانين والشرائع والدول والمؤسسات غير قادرة على حمايته، وما دام موصوفًا بأنه “همجي” أو “بربري”!. ولا غالبَ إلا الله.

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة