«هلالية» فتحي عبد السميع.. تراث خفي لم نعرفه من قبل عن سيرة بني هلال

«هلالية» فتحي عبد السميع.. تراث خفي لم نعرفه من قبل عن سيرة بني هلال

البوكس نيوز – نتحدث اليوم حول «هلالية» فتحي عبد السميع.. تراث خفي لم نعرفه من قبل عن سيرة بني هلال والذي يثير الكثير من الاهتمام والجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكما سنتناول بالتفصيل حول «هلالية» فتحي عبد السميع.. تراث خفي لم نعرفه من قبل عن سيرة بني هلال، وتعد هذا المقالة جزءًا من سلسلة المقالات التي ينشرها البوكس نيوز بشكل عام.

السيرة الهلالية هي إحدى أشهر السير الشعبية العربية، تلك الملحمة الطويلة التي سَجلت في نحو مليون بيت من الشعر هجرة بني هلال وخروجهم من نجد إلى تونس، وتقص علينا في سرد شعبي قصة الأمير أبو زيد الهلالي وأخته شيحة، وسيرة الأمير دياب بن غانم، وقصة زهرة ومرعي. ظلت هذه السيرة هي الأقرب إلى ذاكرة الناس، والأكثر رسوخًا في الذاكرة الجمعية. والتي تلقيناها عبر دراسات الباحثين سواء في الأدب الشعبي، أو استمعنا إليها من أفواه الشعراء الشعبيين مثل جابر أبوحسين أو سيد الضوي آخر رواة السيرة الهلالية، وها هو الشاعر والباحث المدقق فتحي عبد السميع قد خرج علينا بدراسة حول تلك السيرة بغير ما ألفناه من قبل وليجعلنا نعيد النظر حول ما رسخ في أذهاننا عن هذه الملحمة، وذلك بإصداره الجديد والمعنون ” التراث الخفي.. الأسطورة السومرية والرواية الخليجية للسيرة الهلالية”.

وفي تلك الدراسة يسعى “عبد السميع” إلى تحرير الهلالية من قبيلة بني هلال، الكتاب يعيد النظر في المسلمات التي ترتبط بالهلالية، من خلال قراءة حضارية ثقافية تحاول الوصول إلى هوية المبدع المجهول للسيرة الهلالية لا عن طريق التاريخ الذي لم يتوصل إليه نهائيا، ولكن عن طريق ثقافة ذلك المبدع التي تنعكس على الهلالية، ثم رد هذه الثقافة إلى هويتها الدينية أو المكانية، وقد ذهب الكاتب إلى أن ثقافة المبدع الأصلي ترتبط بعقائد الخصب التي كانت سائدة في الشرق القديم، أي أن ثقافته سابقة على ظهور الإسلام أو ما يعرف بالعصر الجاهلي في جزيرة العرب.

يتكون الكتاب من قسمين متداخلين، ويبدأ بمقدمة عن التراث الخفي الذي يتم نقله من منطقة تراثية قديمة، إلى منطقة تراثية أحدثَ منها بقرونٍ طويلة، وبشكلٍ تختفي فيه ملامح المنطقة الأولى أو تذوب في المنطقة الجديدة، وتعيش بشكلٍ خفي في ظل مناخٍ سياسي وديني واجتماعي مختلف.

القسم الأول بعنوان “الرواية الخليجية للسيرة الهلالية”، وينطلق من ملاحظة عدم توثيق الرواية الخليجية للسيرة الهلالية، رغم انطلاق السيرة منها، ووجود أحداثٍ كثيرة وقعت في نجد وبلاد السرو وعبادة، ورغم وجود روايات كثيرة للسيرة في الشام وشمال إفريقيا وجنوبها. ويذهب الكاتب إلى وجود رواية خليجية للسيرة، لكنها مفقودة، ويمكن اقتفاؤها في الحكايات الشعبية الصغيرة من خلال قراءة تلك الحكايات قراءةً فنية تقدّر الرموز وترصد التلميح قبل التصريح. ويقدّم الكتاب نموذجًا تطبيقيا يكشف مِن خلاله كيفية اختفاء الهلالية في الحكايات الشعبية.

أمّا القسم الآخر “الأسطورة السومرية في السيرة الهلالية”، فيذهب إلى أن الأسطورة السومرية تعيش في طيات السيرة بشكلٍ خفي، ويقوم الكاتب بذِكر الشواهد التي تؤكد ذلك، وتثير الكثير من الأسئلة الجديدة حول السيرة الهلالية التي يعتبرها الكاتب عملاً إبداعيًا إنسانيًا رفيع المستوى، وينادي بتحريرها من بني هلال وتاريخِهم.

يذهب الكاتب إلى أن الهلالية لا تجسد سيرة قبيلة بني هلال بل تجسد أزمة إنسانية عامة، وهي أزمة عنف الطبيعة، ومعاناة الناس من ضعف الموارد الطبيعية التي تكفل لهم الحياة، وتقلبات المناخ ومواجهة تحديات القحط والجدب والتصحر، وتعرضهم لمخاطر الموت جوعا والفناء الجماعي.

عنف الطبيعة الذي يهدد الخصوبة أو يسحقها معروف، كما يقول الكاتب بامتداد التاريخ، و لو قمنا بحصر المجاعات التي عرفها الإنسان في شتى بلدان العالم لاحتجنا إلى مجلدات، و خطر هذا العنف ماثل حتى الآن، بل وبتنا نتحدث كثيرا عن تغيرات المناخ وتداعياتها، وعجز موارد الأرض عن استيعاب الزيادات السكانية، أي أن الهلالية تتناول موضوعا قديما وجديدا في نفس الوقت، وهو موضوع إنساني عام لا يصح ربطه بقبيلة معينة.

ماذا تفعل الجماعات الإنسانية عندما تهاجمها الطبيعة ويسقط أهلها صرعى الجوع، لا يوجد سوى طريق واحد هو الهرب من الأماكن التي ضربها القحط، والهجرة إلى الأماكن الخصبة وهذا ما فعله الهلاليون، لقد كانت رحلتهم من أجل الهرب من أنياب الجوع، ولم تكن غايتهم الانتصار على أحد من الناس، بل كانت من أجل مقاومة الجوع والانتصار على الفناء.

تقدم الهلالية كما يقول الكاتب نوعين من الهجرة عرفتهما الشعوب منذ القدم ونجدهما تحت يومنا هذا، وهما الهجرة المسالمة والهجرة الدامية التي تراق فيها الدماء وتنهمر خلالها المآسي، والهلالية في الأذهان ترتبط غالبا بالنوع الثاني، ولا أعرف لماذا يتم تجاهل النوع الأول.

ظهرت الهجرة السلمية عندما كان الهلاليون في بلاد “السرو وعبادة” حيث عرفت البلاد عنف الطبيعة، وحلت المجاعة، فرحلوا إلى بلاد نجد، وهناك تم استقبالهم استقبالا رائعا بسبب العلاقات الطيبة التي تربطهم بأهالي نجد.

وظهرت الهجرة الدامية عندما ظهر عنف الطبيعة في بلاد نجد التي تمدحها السيرة وتقول أنها كانت “من أخصب بلاد العرب، كثيرة المياه الغدران والسهول والوديان، حتى كانت تذكرها شعراء الزمان بالأشعار الحسان، وتفضلها على كل البلدان نظرا لحسن هواها وكثرة خيرها، وما زالت على رونقها الأول حتى تغير قطرها وانقطع عنها الحشيش والنبات وعم البلاء من جميع الجهات، ولم يعد فيها شيء من المأكولات حتى صارت أهلها تأكل الحيوانات، ولما عظمت الأهوال واشتدت المجاعة على بني هلال اجتمعت منهم المشايخ والشبان وقصدوا مضارب الأمير حسن وقالوا إن طال علينا الحال نموت من عدم وجود القوت فإن لم نتدارك الأمر في الحال انقرضت جميع بني هلال وفقدت المواشي والأموال، واجتمع كبار القوم واتفقوا على الرحيل إلى تونس الخضراء.

لم تسمح السلطة في البلاد التي قصدتها جموع الهلالية باستضافتهم في أراضيهم الخصبة، و كان الهلاليون بين خيارين: الخيار الأول هو أنياب القحط التي لا ترحم ولا يمكن مبارزتها، والخيار الآخر هو مواجهة السيوف التي يمكن التغلب عليها وقد اختاروا الحرب.

المتحكم في كون الهجرة سلمية أو دامية هم واضعوا اليد على الأراضي الخصبة لا الهلاليون، فالهجرة التي تسمح بها السلطات شرعية لا ينتج عنها العنف، والهجرات غير الشرعية هي التي تسيل فيها الدماء، ويظهر فيها الموت، وهذا يحدث الآن.

الهلالية كما يقول الكاتب هم البشر جميعا، وهي سيرة الآن لا الماضي. حروب الهلالية في رأي الكاتب كانت من أجل الهرب من القحط إلى الخصب، وكانت تدور مع السلطات لا مع الشعوب، وكانت تلك السلطات تصل إلى العرش بقوة السيف، وكانت منفصلة عن الناس في الغالب، وكثيرا ما نجح الهلاليون أثناء الرحلة في إزاحة الملوك الاشرار وتسليم العرش إلى ملوك أخيار، وكان مجرد العبور في الممالك الممتدة من نجد إلى تونس، يستدعي دفع عشر أموالهم من جمال وخيول وغيرهما وأحيانا عشر نسائهم، الأمر الذي كان يتم رفضه، فتنشب الحرب، وهكذا لم يجدوا بدا من الحرب من أجل العبور بمواشيهم مع استثناءات نادرة، عرفوا فيها الهجرة السلمية بسبب كرم الحاكم مثلما حدث مع عامر الخفاجي ملك العراق الذي استضافهم في أرضه الخصبة سنتين.

يذهب الكاتب إلى أن الهلالية نجحت شعبيا بسبب أزمة القحط والجوع التي يتصدى لها الهلاليون وصراعهم مع النخب الحاكمة في الممالك التي عبروها لا مع الشعوب، وبعض الشعوب قدموا لها خدمة كبيرة بتخليصها من حاكمها المستبد وتنصيب حاكم عادل، أي أن قضيتهم هي قضية كل إنسان في الشرق المنكوب والذي عانى على مدار القرون من القحط الناتج من عنف الطبيعة، والقحط الناتج من عنف الحكام المستبدين.

الهلالية في رأي الكاتب أنشودة إنسانية لا تخص بني هلال بل تخص معظم البشر، لأن حياة كل إنسان مرهونة بالهرب من الجوع ومقاومة القحط بأشكاله المختلفة، وهي تجسد رحلة كل إنسان فوق كوكب الأرض، وهي على المستوى الباطني أنشودة كل إنسان يسعى إلى تجاوز قحط الدنيا والهجرة إلى فردوس الآخرة عبر المجاهدة والانتصار في حروبه اليومية ضد الشيطان أو قوى الشر التي لا يخلو منها مكان أو إنسان.

هذا في تقديره سبب ولع الناس بالهلالية حيث حلم الهجرة في المستوى الحياتي من ظروف الحياة القاسية إلى الفردوس الأرضي، وحلم الهجرة في المستوى الديني من الدنيا الغرورة الغادرة إلى الفردوس السماوي.

الشاعر والباحث فتحي عبد السميع

فتحي عبد السميع، شاعر وباحث مصري، رئيس تحرير سلسلة الإبداع الشعري (سلسلة كتب تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب)، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية 2015، وجائزة الدولة للتفوق في الآداب 2023، صدرت له ثمانية أعمال شعرية، هي: الخيط في يدي، تقطيبة المحارب، تمثال رملي، فراشة في الدخان، خازنة الماء، الموتى يقفزون من النافذة، أحد عشر ظلا لحجر، عظامي شفافة وهذا يكفي، كما صدرت له عدة كتب نقدية وفكرية من أهمها، القربان البديل: طقوس المصالحات الثأرية في الصعيد، الجميلة والمقدس، وجوه شهريار، شعرية الحدث، وله سيرة ذاتية صدرت عن هيئة الكتاب بعنوان “الشاعر والطفل والحجر”.

.

وفي نهاية مقالتنا إذا كان لديك أي اقتراحات أو ملاحظات حول الخبر، فلا تتردد في مرسلتنا، فنحن نقدر تعليقاتكم ونسعى جاهدين لتلبية احتياجاتكم وتطوير الموقع بما يتناسب مع تطلعاتكم ونشكرًكم علي زيارتكم لنا، ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ومفيد معنا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: لا يمكنك نسخ المقالة